قاهر الارواح

يشهد العرب والمسلمون في وقتنا الحاضر حرباً ضروساً في اليمن الشقيق بين مؤيد ومعارض إزاء ظاهرة كلية "الحوثيون" انعكست تداعياتها على المشهد العام بكل فصوله في حياة اليمانيين، بل تجاوز الأمر المحيط الداخلي إلى الخارج، ممثلاً في بعض دول الجوار وبعض مكوناته المجتمعية، وكذا الأطراف الخارجية ذات الصلة بالحراك أو المشهد الثقافي والفكري والسياسي في اليمن على نحو أو آخر. يكتب الدكتور أحمد محمد الدغشي من جامعة صنعاء عمله الجاد والموثق بمنهجية الباحث العلمي والأخلاقي المسؤول تحت عنوان "الحُوثيُّون – دراسة منهجية شاملة". ليُعرف القارئ والمهتم بخلفية هذه الظاهرة وأسبابها وتداعياتها الراهنة في الفكر وفي السياسة لتدارك انقسام المسلمين في الأيديولوجيا فأخرج لنا دراسة علمية تتحلى بقدر كبير من الموضوعية. بات من المعلوم أن ثمة مكونان مذهبيان رئيسان في اليمن، الأول: الشافعية (نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ت 204هـ) والزيدية (نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ت 122هـ) عاش في ظل هذين المذهبين في السابق اليمنيون على نحو من التآخي العام. فما الذي حول هذه الظاهرة إلى حركة سياسية اجتهادية؟ يقول الدكتور علي الكوراني في كتابه (عصر الظهور) عن دور البلدان الإسلامية في ظهور المهدي: "في ثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي (عليه السلام) أحاديث متعددة عن أهل البيت عليهم السلام، منها بضعة أحاديث صحيحة السند، وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة وتصفها بأنها راية هدى، تمهد لظهور المهدي (عليه السلام) وتنصُره، بل تصفها عدة روايات بأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وتؤكد على وجوب نصرتها كراية المشرق الإيرانية وأكثر، وتحدد الأحاديث وقتها بأنه مقارن لخروج السفياني في رجب، أي قبل ظهور المهدي (عليه السلام) ببضعة شهور، ويذكر بعضها أن عاصمتها صنعاء. أما قائدها المعروف في الروايات باسم (اليماني) فتذكر رواية أن اسمه (حسن أو حسين) من ذرية زيد بن علي عليهما السلام". يضفي الكتاب على مسائل جوهرية في أسباب الحرب ويورد آراء وتحليلات سياسية وتاريخية لأهم رموزها ومواقف الدول والمرجعيات الدينية في العالم العربي والإسلامي من هذه الحرب التي ما أن تتوقف حتى تندلع مجدداً، فلقد كانت كل المعطيات الفكرية والتربوية والإعلامية والسياسية والتنموية والعسكرية تؤكد جميعها أن الحرب مستمرة، وأن مسألة الإعلان عن اندلاع حرب سادسة إعلان إعلامي أكثر منه ميداني وواقعي وجل ما في الأمر أن يأخذ كل طرف استراحة المحارب ليس أكثر. يرى الكاتب أن سبب المشكلة هي الآراء المتضاربة حتى في ذهنية القيادات الحوثية الحالية ذاتها، وأن الاتجاه التربوي والفكري هو جوهر المشكلة وأساسها المنعكس على أبعادها جميعاً، ويرى أنها امتداد للمدرسة الزيدية (الجارودية) القائمة في اليمن منذ قرون عديدة. لذلك لا بد أن يتوافر للمسلمين برأيه أي الطرفين المتنازعين النية الصادقة والإرادة الكاملة والاحتكام إلى الحوار الجاد الذي يمكن أن يقدم حلاً سياسياً وتربوياً لهذه المشكلة المذهبية بعيداً عن الاحتكام إلى لغة البندقية والحل العسكري والميداني. دراسة هامة، لمسألة راهنة، كتبت بعين باحث أكاديمي يبحث عن الحقيقة في زمن اختلطت فيه الأيديولوجيا بالمنفعة، فاستخدم الدين فيه عامل فرقة بدل أن يكون عامل توحد، جدير بالقراءة.