أين الحكاية?), سألتني مريم.
قلت لها إنَّني أروي حكاية سامية لا حكايتها. وأنا أعرف أنَّ ما رويته حتى الآن لا يصلح حتَّى كمقدِّمة لحكاية البحر الميّت أو حكاية وداد أو إميل.
لكنَّني لا أكتب قصّة.
أترك الأشياء تأتي. أقول إنَّني أروي الحكاية كما هي, وكنت أريد أن أضيف: دون زيادة أو نقصان, لكنَّني عدلت عن ذلك. فوداد الشَّركسية التي ماتت منذ عشر سنوات تشبه هذه الدمية المكسورة التي أراها الآن على شرفة مكتب القوميسيون لصاحبه جورج نفَّاع. مسكين جورج نفَّاع. أقول مسكين لأنَّه مات. أحزن عليه دون أن يكون لذلك علاقة بالشَّاعر فؤاد غبريال نفَّاع الذي مات هو أيضا, ولكنَّه بقي في ذاكرتي كأنَّه تمثال. يمشي في طرقات (الأشرفيّة) التي اسمها أيضا (الجبل الصغير), يحوم حول بيت جوليا قرب مقرّ الصليب الأحمر, وفي جيب سترته أوراقٌ مجعلكةٌ هي ديوانه الجديد. يدخِّن (البافرا) ولا يردّ السَّلام على أحد. مسكين فؤاد غبريال نفَّاع, هو أيضاً مات. هكذا يبرِّر الأحياء خياناتهم للموتى ببعض الكلمات العاطفيّة التي لا معنى لها. نحن نخون الموتى بشكلٍ دائم, الكتابة عنهم هي ذروة خيانتهم. لكن هذا ليس صحيحا. مجرَّد استمرارنا في الحياة, رغم كلّ هذا الموت, هو خيانة. ولذلك نلجأ إلى الذكريات كي لا نخون, ولكن في النهاية ماذا نذكر? لا نذكر سوى أنفسنا